حبيبتي الديمقراطية !-عماد استيتو- أكادير – المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

حبيبتي الديمقراطية !

  عماد استيتو    

لم تبح بكل أسرارها ، رحلت دون قبلة الوداع مستغنية عن ضمة الفراق إلى حين ، عبثا حاولت كفكفة دموعها وانصرفت دون أن توضب كل حقائبها ، تعمدت ألا يراها كثيرون وهي تغادر في الفجرية دون ضجيج لتركب قطار اللاعودة ، لم تستطع وهي الغارقة حد الإحباط في حب ميؤوس منه مقاومة فضيلة الخوف على مستقبل غير محسوب العواقب ، قررت الانسحاب إلى حين وتعليق الحلم السرمدي حتى إشعار آخر .

يائسة رأيتها آخر موعد عاطفي جمع بيننا ، مفرغة من الحياة ، كانت تبدوا علامات الضجر وفقد الأمل صارخة في كلامها وعلى وجنتيها وجسدها الذي فقد الجاذبية الحالمة تلك العصرية الماطرة ، لم تخبرني أنها ستترك كل شيء ، سترمي وراءها الأحلام وذلك الشغف الذي جمعنا ذات ليلة عربدة في ذلك النزل الرخيص ، تنازلت عن خططنا الثورية و أفكارنا وقناعاتنا ، تخلت عن نضال بدأناه معا ومضت في طريقها ، ربما بحثا عن عشيق يكون معها أكثر تصميما على دحض الواقع .

تركت غرفتها ضاجة بكل الذكريات ، تذاكر القطار الذي يقود إلى مركز الاعتصام ، الكوفية الفلسطينية ، وأقمصة الثائر تشي غيفارا ، كتب ماركس وتروتسكي وغرامشي ، لم تغادر معها هاته الأشياء في رحلتها الغادرة ، أخبرني بعدها قليلون ممن رأوها تستقل ذلك القطار الموسمي أنها التفت للوراء دامعة كأنها تترك مجبرة آملة أن ينصف القدر اختيارها وتتمكن يوما من العودة إلى المكان الذي لطالما احتضن علاقتها العابرة به ، علاقة كانت تحلم بالشرعية ، بطرحة زواج بيضاء وزفة على موسيقى شعبية .

ركنت في غرفتها أحصي خسائرنا منذ اليوم الأول للقائنا وحتى اليوم الأخير لرحيلها إلى موعد غير معروف  ، لم أدري إن كنت أبكي غصة على فراق الحبيبة ؟ أم على رحيل تلك التي كانت تلبي شهواتي الرخيصة ؟ ، لم أكن قد حسمت بعد في علاقتنا ومحلها من الإعراب في قلب مستعمر ، إن كانت حبيبة أم عشيقة أم خليلة فراش ؟ هل كانت حقيقية أم مزيفة ، لم تسعفني الأيام لأكتشف هل كانت وهما أم قدحا لا يتجاوز الهوس .

غادرت ومعها كل الخيوط ، لم تترك أثرا يتعقبها به عشاق سابقون حانقون من هجرها المفاجىء بعد أن رتبت قليلا من فوضويتهم ، حزن الجيران لحالي وأسف الأنداد لمصابي فهم تعودوني معها وتعودوها معي ، لا تفارقني البتة ، في السوبير ماركيت وفي الحانة وفي سينما الرذيلة ، يساورهم قلق كبير كيف يمكن أن أستمر دونها .

لم أفقد كل الإيمان وعكفت أقلب عن تلابيب عباءتها و رائحة عطرها وأحمر شفاهها المغري للرجولة، بحثا عن دليل يقود على مسكنها الجديد و حبيبها القادم ، عن وطن فتح لها أحضانه وآمن بعذوبتها ..... ، فلم يعد لها في هذا الوطن ، في ذلك الركن من بد أو ضرورة ، استشعرت أن بطاقة شحنها قاربت على النفاذ فخرجت بحثا عن أخرى ، عن إرسال جديد في مكان أكثر أمانا يستطيع إيصال رسائل حاولت إيصالها معي .

تمحيصي قادني إلى اتخاذ قراري بتوضيب الحقيبة الثورية السوداء ، سأرحل أنا أيضا سأستقل الطائرة الرأسمالية هذه المرة ، لا بأس في ذلك سأسافر في الجناح الفخم ، سأحاول الاستمتاع قليلا بلحظة أقسمت على أن لا تتكرر قبل أن أصل إلى مطار مدينة يحتمل أن أجد فيها عشيقتي أو حبيبتي أو خليلتي المتمردة ، لم يعد ذلك الفضاء مناسبا بعد لنفورنا من الواقع والخيال ، ما عاد ممكنا أن تستمر القصة في تلك الحارات التي يسكنها الحاسدون والواهمون بالتنزه ، فضلت أن أستقل التاكسي إلى المطار مباشرة دون أن آخذ الوقت الكافي للملمة الجروح التي تركتها هناك عزلاء تستشرف طبيبا قد يأتي أو لا يأتي ، مسعفا قد يرن هاتفه أو تخونه الحرارة .
مضيت بحثا عن الوعد الذي قطعناه ، عن العزلة التي قربتنا إلى بعضنا البعض وعن القسوة التي اشتد بها عودنا معا ، عن كلام لاكته ألسننا ونبضت به جوارحنا ، عن أمل يتجدد ، وجدتها في انتظاري تماما كما كانت ، تخفق بشعاع أراه يقفز على الحواجز أفضل مما تقفز الفرسان أسبوع فرسهم الغبي ، غامرة باللوعة وترحاب يفوق بهتة حملة تضامنهم الحابلة بالاستخفاف والرياء ، خالية من التصنع وناطقة عن التوق إلى حروف جديدة تخط الدفتر القديم الذي أحضرته معي من غرفتها ، عانقتها وقبلتني قبلة مجنونة ترتعد معها فرائص المتطبعين بزهد فاحش ووهمي ، الرافضين لعلاقتنا والذين نصحوني شفقة أو حقدا بمفارقتها ، اليوم أضحت أكثر واقعا ونضجا علاقتنا ونحن تجاوزنا البحار والمحيطات وراوغنا الحديد والنار وتواردت خواطرنا ، حبيبتي الديمقراطية .



 
  عماد استيتو- أكادير – المغرب (2011-03-12)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

حبيبتي الديمقراطية !-عماد استيتو- أكادير – المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia